وتسألني عن خريبكة التي تعرضت لها وأطلت الحديث عنها حسبما عاينته أو اتصلت به أو اتصل بي ما هي؟ وما أصل نشأتها؟ مدينة خريبكة أو مدينة الرياض كما هي جديرة أن تسمى به في نظري أو مدينة الفوسفاط كما يسمونها هي من المدن الجديدة التي لم يكن لها ذكر ولا وجود في المخطط المغربي القديم للبلاد قبل عهد الحماية الفرنسية للبلاد، وإنما أنشأت في أول عهده حوالي عام 1920م، حينما عثر شخص إيطالي على بئر للفوسفاط(1) بهذه الناحية، فرام استثماره لنفسه بحجة أنه مكتشفه الأول والأحق به، فنازعته دولة الحماية حيث كانت أقدامها ثبتت بالمغرب، وادعت أنه ملك لحكومة الأرض وهي ممثلته، وبعد محاكمة قانونية وترافع لدى محكمة لاهاي(2) الدولية حكمت بحق استثماره للمغرب.

ومن يومئذ صارت دولة فرنسا تتصرف فيه باسم المخزن الشريف تصرفا منظما، وأحاطته برعايتها الفنية والإدارية، ووضعت له أصول الإستثمار العلمي، وأسمته المكتب الشريف للفوسفاط، وصار كل ذي ملك هناك يعُد نفسه سعيدا بوجود أرضه في منطقة الذهب، فيبادر ليبيعها بضعف ثمنها أو بأضعافه، فكثرت الأموال بيد ملاك هذه الناحية، واستخدمت الأيدي المغربية العاطلة، واكتسبت مع الأيام بعض الخبرة بالشؤون الفنية المتعلقة بهذا المنجم، فكان بحق منتجعا خصبا لأهالي هذه البادية البؤساء، وداعيا لتجمع خلق الله أمام هذا الكنز الذهبي ابتغاء الرزق الحلال الذي جاءهم لباب دارهم.

وكان هذا بطبيعة الحال حاجزا لأهل المنزل والمنتجعين الواردين من الجماعات المغربية أن يتخذوا لهم المقارّ الصالحة للسكن قرب المنجم، وهذا بدوره يدعوهم لاتخاذ مرافق الحياة المناسبة لحالهم الاقتصادي، ولمستوى دخلهم، فتكونت مخازن البضائع، ثم أنشأت المساجد والزوايا والحمامات. وقد قيل لي أنه مباح للعموم بلا مقابل ليل نهار. ومن مجموع هذا تكونت المدينة، وقد ذكرني هذا بشعر الملك العربي الأفوه الأيدي.

والبيت لا يبتنى إلا له عمد ……ولا عماد له إذا لم ترس أوتاد
فإن تجمع أوتاد وأعمدة ……وساكن بلغوا الأُمَرَا الذي كادوا(3)

__________
(1) الفوسفاط: مادة مطلوبة لاحتوائها على عنصر الفسفور، وهذا العنصر الذي يرمز له حرف P يؤدي دورا أساسيا في الخلايا الحية للإنسان، ويوجد في عظام الحيوانات وأسنانها، أما فيما يخص النباتات فالفسفور هو الذي ينقل الطاقة المولدة بواسطة التركيب الضوئي.
ومن المعلوم أن الأهمية القصوى للفوسفاط المعدني تكمن أساسًا في استعماله لتخصيب الأراضي الزراعية حيث يستغل كسماد، وهكذا فإن معظم الإنتاج الفلاحي العالمي (85%) يستعمل لتخصيب التربة.
حين استعماله بكميات منابة يساعد الفسفور في نمو جذور النباتات وتسهيل تغذيتها وجعلها أكثر مقاومة للأمراض، وهذه كلها مميزات من شأنها الرفع من مستوى المحاصيل كما وكيفًا، ولا يفوتنا التنبيه على أن المغرب يحوي ثلاثة أرباع الإحتياط العالمي من الفوسفاط.
(2) محكمة العدل الدولية بلاهاي بهولاندا، تمَّ تأسيسها سنة 1911م على يد أحد كبار الأثرياء حينئذ، وهو اندريو كارنكي، أمريكي من أصل اسكتلندي، وكان افتتاحها في 28 غشت من السنة ذاتها على يد الملكة الهولاندية فيلهلميا.
(3) البيتان للشاعر الجاهلي صلاءة بن عمرو بن مالك، المعروف بالأفوه الأودي، قالهما ضمن قصيدة دالية تقع في 17 بيتا ومطلعها:
فينا معاشر لم يبنوا لقومهم ……وإن بنى قومهم ما أفسدوا عادوا
أكمل القراءة ←