مكناس إحدى حواضر المغرب الشهيرة، رأت النور مند القرن العاشر الميلادي على يد قبيلة مكناسة التي كانت تنتشر بمنطقة تازة شرقا ومنها أخذت تسميتها مع تمييزها بإضافة نعت الزيتونة إشارة إلى الموقع الذي اختير لها، الغني بأشجار الزيتون.
لاشك أن غنى المنطقة بالأراضي الخصبة والمياه وغيرها من الموارد الطبيعية كان إلى جانب موقعها الاستراتيجي وراء اختيارها كمكان للاستقرار البشري... وقد أهلها هذا الموقع لتلعب أدوارا طلائعية في تاريخ المغرب ككل، فهي جنوبا تنفتح على الأطلس المتوسط الذي يعتبر ممرا نحو تافيلالت وتخوم الصحراء الشرقية، أما شمالا فهي تنظر صوب جبل زرهون الذي يوجد به ضريح المولى إدريس الأكبر مؤسس الدولة المغربية الأولى بالمغرب الأقصى ومن هاته الجهة تبدأ منطقة الريف.
وتنفتح مكناس شرقا على سهل السايس  الذي تقع على طرفه الآخر مدينة فاس ويخترق المدينة وادي بوفكران كما تكثر فيها العيون والآبار ذات المياه العذبة.     
قبل تأسيس المدينة عمرت المنطقة ساكنة متفرقة كان أكبر تجمعاتها يعرف بتورى. ولاتبعد مكناس عن فاس عاصمة المغرب الأولى إلا بأقل من 60 كلم كما أنها لاتبعد عن الساحل الأطلسي إلا بحوالي 100كلم وبذلك تحتل هذه المدينة موقعا متميزا إن على المستوى الاستراتيجي أو على مستوى المناخ وغنى الوسط البيئي والموارد الطبيعية وكلها عوامل وفرت للمدينة أسباب التطور والاستقرار.
لقد ساعد هذا الموقع أيضا على التمازج البشري والاندماج الثقافي والحضاري بين مجموعات بشرية متعددة الروافد : أمازيغية من الأطلس المتوسط والريف وصحراوية عربية وإفريقية، إضافة إلى جالية يهودية نشطة استوطنت المنطقة مما شكل مجتمعا متفاعلا ومندمجا يعطي صورة واضحة عن التركيبة البشرية المغربية كما تبلورت عبر العصور.
لقد عرفت المدينة مراحل من التطور منذ تأسيسها، وقد انتبه إليها المرابطون خلال القرن11م حيث ستتحدد ملامحها الأولى مع يوسف ابن تاشفين وستعرف أحياؤها نوعا من التخصص في الوظائف الحيوية كما ستكتسي هذه المدينة طابعا عسكريا وسياسيا.
لاحقا مع دولة الموحدين خلال القرن 12م ستعرف المدينة نقلة نوعية أخرى في مبانيها ومرافقها وتجهيزاتها مما ساعد على تعميرها وتثبيت دورها في المنطقة.
رغم الصعوبات التي لاقاها المرينيون في بداية حكمهم لبسط سلطتهم على المدينة فإنهم مافتئوا أن اعتنوا بمعالمها ومرافقها إذ تم إغناؤها بقصور وحمامات وفنادق ومساجد إضافة إلى المدارس العلمية التي تميزوا بتشييدها والاعتناء بها خصوصا إبان حكم أبو الحسن وأبو عنان، ولعل أهمها هي المدرسة البعنانية قرب المسجد الأعظم.
مع نهاية الدولة المرينية سيخفت دور مكناس بعض الوقت ومع ذلك لم تكن هذه الفترة عقيمة بل شهدت ميلاد زاوية صوفية كبرى سيصبح لها باع كبير بالمغرب وخارجه وهي زاوية الشيخ القطب سيدي الهادي بنعيسى الملقب بالشيخ الكامل، المتوفى سنة 1523 م المعروف في الأوساط الشعبية ب" مولاى مكناس" وتعرف زاويته بالعيساوية.
ويحتضن مركز هذه الزاوية ضريح شيخها وهو موضوع تبجيل وتكريم يؤمه الزوار تبركا به والقيام حوله احتفاء سنوي غني بالطقوس والتقاليد الشعبية يتزامن مع حلول عيد المولد النبوي الشريف 12 ربيع الأول ويعرف هذا الحج السنوي بموسم الشيخ الكامل وهو من أكبر مواسم المغرب الأصيلة.
أما فترة حكم الدولة السعدية فتكاد تكون غير ذات تأثير كبير على المدينة، اللهم إلا بناء مسجد للاعودة من طرف أم السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي وكأن القدر جعل من هاته الفترة الخافتة زمن تاريخ المدينة فترة تأهب استعدادا لأدوار كبرى ستلعبها، إذ ستصبح في الفترة الموالية بعد أفول نجم السعديين عاصمة للدولة العلوية الناشئة على يد أكبر ملوكها ومؤسسي دعائمها السلطان المولى إسماعيل (1672- 1727)، وستنعت إلى اليوم بالعاصمة الاسماعيلية.
ستعرف مكناس حينئذ طفرة هائلة في عمرانها وتهيئة مرافقها وتقوية تجهيزاتها، فبجانب المدينة التي تضم المجتمع المحلي ستبنى مدينة مخزنية كاملة بقصورها العديدة ومساجدها ومقرات عتادها وجندها ومنتزهاتها ومخازنها ومرابطها وحصونها وسجونها فضلا عن أسوارها الضخمة وأبوابها الشامخة والرائقة الجمال : إنها المدينة المغربية بل العربية والإسلامية التي جهزت بأطول حزام من الأسوار يتخللها عدد كبير من الأبراج المربعة العالية القوية، أحيطت بالمدينة المخزنية والمدينة الشعبية على مسافة زادت على 40 كلم.
لقد راعت التهيئة العمرانية الجديدة آنذاك الحاجيات الحيوية وضمان مقاومتها لكل حصار مفترض إذ تركت بداخل أسوارها منتزهات وجنان وأراضي صالحة للزراعة كما بني صهريج عظيم بين القصر السلطاني والمخازن لضمان التزود بالمياه وتوريد الأنعام وسقي البساتين. مما أعطى لهذا التجمع العمراني طابعا خاصا جعل المؤرخ ابن زيدان يقول عن مكناس أنها مدينة في قرية وقرية في مدينة.
عرف ورش المدينة المخزنية الجديدة في العهد الاسماعيلي حركة دائمة لعشرات السنين جندت لها ألوف من اليد العاملة بما فيهم الأسرى الأوربيون الذين سقطوا في يد القوات المغربية أثناء الحروب التحريرية للثغور المغربية، ومن هؤلاء الأسرى الأقدمين والمشهورين مويط MOUETTE.
كان طموح المولى إسماعيل هو أن يجعل مكناس مدينة تضاهي العواصم الأوربية حتى أنها وصفت بفرساي المغرب مقارنة مع فرساي الملك لويس الرابع عشر المعاصر للمولى إسماعيل وقد عرفت المبادلات والسفارات بين العاهلين شأوا كبيرا آنذاك.
واليوم فإن أشد ما تفخر به مكناس هو مآثرها الاسماعيلية كباب الرايس والبردعيين باب جديد وباب الخميس وباب منصور لعلج وهري المنصور ومربط الخيول وصهريج الصواني  وقصر المنصور والدار البيضاء وساحة الهديم ولالة عودة وأسوار والأبراج العديدة الشامخة فضلا عن المدينة العتيقة وجوامعها ومآذنها العديدة وأضرحتها وزواياها... لقد استحقت المدينة بما تحضنه من مآثر تاريخية هامة أن تسجل لدى منظمة اليونيسكو في قائمة التراث العالمي سنة 1996.
لم تتنازل مكناس عن أهميتها كمدينة مخزنية وحاضرة كبرى حتى عندما فقدت صفتها كعاصمة سياسية للبلاد خلال المنتصف الثاني من القرن 18م لفائدة جارتها فاس في بداية الأمر إذ كانت سكنا مفضلا لعدد من الأمراء ورجال الدولة. أما خلال خضوع المغرب للحماية الفرنسية فإنها ستستعيد بعض أدوارها كموقع استراتيجي له أهمية عسكرية واقتصادية بالدرجة الأولى وسيترجم اهتمام سلطات الحماية بهذا الموقع من خلال فتح ورش كبير لتشييد مدينة جديدة على الطراز الأوربي بشوارعها وعماراتها وحدائقها وأحيائها الصناعية والتجارية والسكنية وكافة مرافقها الإدارية والعسكرية والرياضية والثقافية ويرجع الفضل في تحديد معالم المدينة الجديدة إلى الجينيرال بويميروpoemirau.
نظرا لتزايد عدد المستوطنين الأوربيين الهائل من 1911 و 1916 وليتسنى بناء المدينة الجديدة – بعدما  لم يعد ممكنا استيعاب المهاجرين الأوربيين الجدد بجوار المجتمع الأهلي التقليدي- ستقتطع أراضي شاسعة بهضبة رأس إيغيل وحمرية على الجانب الأيمن من واد بوفكران في اتجاه فاس وذلك ابتداء من 1916 ليعلن عن مدينة جديدة خمس سنوات بعد ذلك في حفل كبير حضره الجينيرال اليوطي 1921. هكذا سيصبح المجال الحضري لمكناس ذو قطبين على غرار المدن المغربية الأخرى يفصل بينها وادي أبي العمائر (بوعماير)
مع رحيل الإدارة الفرنسية ستنزح كثير من الأسر الميسورة منها على الخصوص إلى الأحياء الراقية بحمرية التي تركها الفرنسيون شيئا فشيئا وستحافظ مكناس على نشاطها وحيويتها وستستقطب مزيدا من السكان خلال العقود الأربعة الأخيرة على الخصوص مما دفع إلى تهيئة الأراضي الفارغة لبناء أحياي جديدة كالزيتون والسباتا وسيدي بوزكري والبساتين وسيدي بابا والمنصور... كما ستضاف تجهيزات مهمة ومرافق عديدة كالكليات والمدارس ومعاهد التكوين المتوسط والعالي.